الاثنين، 14 مارس 2011

خطأ تعميم معاول الثورات العربية

خطأ تعميم معاول الثورات العربية


من أشنع الأخطاء وأكثرها شيوعا أن البعض من قادة وقواعد المعارضة في العديد من الدول العربية تشجعهم جهالات وحماقات المحاورين في قناتي الجزيرة والبي بي سي العربية ؛ يعممون مدخلات ومخرجات تجربة الثورة الشعبية في تونس ومصر على كافة الدول العربية الأخرى. ويظنون على هذا النسق (واهمين) أن ما جرى فيهما يمكن نسخه ولصقه على طريقة الويندوز داخل مجتمعاتهم . وهو أمر لا محالة أن يؤدي إلى خلق بلبلة وفوضى ويسقط العديد من الضحايا الأبرياء المضللين بلا جدوى ولا طائل.
ونرغب في البداية أن نوضح أن المجتمع المصري والتونسي على نحو خاص لا تتحكم بهما النعرات الطائفية العمياء أو الولاءات القبلية الضيقة...... ولعلنا هنا نستذكر قوله صلى الله عليه وسلم عن مصر وأهلها "أنهم في رباط إلى يوم القيامة" .....
من ناحية أخرى فإن أهم عوامل نجاح الثورة في تونس ومصر كان إنحياز الجيش للشعب في نهاية المطاف. وهو ما أجبر زين العابدين بن علي و شبيهه حسني مبارك على التنحي ببساطة ..... ويبقى التنويه بأن إنحياز الجيش للشعب هو مبدأ قد لا يتكرر له نظير في الغالبية العظمى من الدول العربية الأخرى ... وهو ما يجب الإنتباه والإلتفات إليه جيدا والتفكير فيه بتؤده . وتفديره بعقلانية حتى لا تنزلق المعارضة السياسية أو الأقليات االطائفية بل وحتى الأغلبية أحيانا في حمامات دم ساخنة سخية ، لا جدوى ولا طائل من ورائها سوى مزيد من النواح والعويل وسرادق العزاء التي تنصبها على رجالها ونسائها وفلذات أكبادها.
وعلى هذا النحو فقد جاءت الثورة الشعبية الليبية وبالا وخرابا عليها. ولا يشك عاقل أبدا في أن ليبيا إما أن تتحول إلى صومال جديد أو يتغلب القذافي على معارضيه ويتحكم من جديد في معظم الأراضي الليبية إن لم يكن جميعها. ويستمر الحال على ما هو عليه لسنوات قادمة ربما لن تخمد نارها وينطفيء جمرها إلا برحيل القذافي عن الدنيا على يد عزرائيل عليه السلام . فقد أثبت هذا البدوي وراعي الأغنام العنيد أنه صعب المراس فتاك . وأنه ليس بمجنون كما يقال ويشاع بقدر ما يمكن أن يوصف بأنه "نيرون" العرب ، بعد أن هدد معارضيه ومن ينساق وراءهم بأنه سيهدم المعبد على رؤوس الجميع بمن فيهم راسه وسيشعلها نار حمراء وجمر؛ مناشداً مؤيديه بالغناء والرقص خلال كل ذلك.


في الجزائر على سبيل المثال أفلحت قوات الصحراء بحزم منقطع النظير وبطريقة مذهلة في وأد الإنتفاضة المحتملة وإطفاء جذوتها في محلها .. وهو ما يستحق الدراسة والتحليل على إعتبار أنها تمثل جانب معاكس لما جرى في تونس ومصر وحتى ليبيا.
وفي السودان كان لقوات مكافحة الشغب نفس المفعول الجزائري السحري في مواجهة طلاب الجامعات ، ولم نعد نسمع مجرد الهمس.
هناك دول عربية أخرى مثل السعودية علا الخطاب الطائفي على الخطاب السياسي الذي حاول التبشير بإنتفاضة على الطريقة المصرية . فكان أن تحولت التظاهرة التي تنادت بها المعارضة على الفيس بوك لتبدأ من العاصمة الرياض ... تحولت إلى مسيرة تأييد حاشدة للنظام ومخجلة للمعارضة . ولم تخرج مسيرات سوى تلك المئتينية (200 شخص) رفعت شعارات طائفية ومن منطلقات طائفية لأخواننا من المذهب الشيعي الجعفري داخل مدنهم في المنطقة الشرقية بعيدا عن الرياض يطالبون فيها بإتاحة حرية ممارستهم لقناعاتهم المذهبية ... أو على الأقل كان هذا ما رشح على السطح من بين مطالبهم . أما تلك المطالب المتعلقة بالملكية الدستورية والإنتخابات الحرة فقد ذهبت أدراج رياح صحراء الربع الخالي.


في اليمن من جهة أخرى نعلم جميعنا أن الولاءات القبلية ورغبة الجنوب في الإنفصال عن الشمال ، كانا أكبر مثبطين لهمم وحماس شرائح واسعة من المجتمع اليمني العامل بوجه خاص. وربما كان لعدم التفرغ بسبب جلسات القات دورها هي الأخرى في التمديد لعلي عبد الله صالح حتى تاريخه.
في بعض البلدان الخليجية وعلى العكس من مصر وتونس واليمن مثلا . لا يجدي الإضراب والعصيان المدني فتيلا . لأن القوى العاملة الأجنبية هناك هي التي تسود وتتحمل العبء الأعظم في العملية الخدمية والإنتاجية . ولربما أدى إنجراف المواطن نحو الإضراب بهدف تحقيق مطالب سياسية أوطائفية إلى عرقلة رغبات ونوايا حكومات الخليج الصادقة في توطين الوظائف مستقبلا والحفاظ بدلا من ذلك على نسب متوازنة من العمالة الأجنبية إلى جانب العمالة الوطنية تحسبا لما يمكن أن ينتج عنه هذا التوطين إلى ما لا يحمد عقباه إذا توجه مواطنوها للإضراب أو العصيان المدني لاحقا ..
هكذا إذن تتضح الصورة الحقيقية ... وهو ما يفسر لماذا ظلت بقية الأنظمة السياسية الأخرى التي تصاعدت بداخلها إنتفاضات شعبية .. ظلت هذه الأنظمة تتمتع بقوتها ورسوخها وثباتها.


ربما من بين كل هذه الإختلافات والتباينات وأكثر بين الدول العربية فإن الرابط المشترك الأعظم يظل يكمن في عدم تداول السلطة .... والذي أدى بدوره إلى تكوين طبقة متراكمة مزمنة من الفساد المالي والإداري على شاكلة "جبل الجليد" الطافي على سطح المحيط ...... وهو ما يجب على الأنظمة العربية القائمة أن تتداركه بمزيد من الجدية لأنه بات يشكل مدخلا سهلا للإنتقاد والإنفلات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق