الأحد، 13 فبراير 2011

حسني مبارك .. التحليق والسقوط

حسني مبارك ... التحليق والسقوط


من بين الرؤساء الأربعة أبناء الشعب المصري عقب ثورة يوليو 1952م فإنه وعلى العكس من الشرعية الثورية والكاريزما التي حيزت لمحمد نجيب والزعيم جمال عبد الناصر ثم أنور السادات . فقد جاء حسني مبارك إلى سدة الرئاسة مصادفة بسبب إختيار وتعيين السادات له نائبا ، كنوع من الإحتفاء بجنرالات نصر السادس من أكتوبر 1973م المجيد.


المحظوظ حسني مبارك أيام البراءة والوداعة في ظل ورعاية الرئيس أنور السادات .... وصف الشعب حسني مبارك عند بداية تسلمه السلطة بأنه لا بيهش ولا بينش .... ثم أثبت لهم مع مرور الأيام أنه ظل يتمسكن حتى يتمكـّن .... وأن الفرعون لا ينشأ من فراغ ولكن تفرعنه حاشيته والمنتفعين والمنافقين ولصوص المال العام من حوله بمرور الأيام وتعاقب السنوات


يحلو لخصوم حسني مبارك وصفه دائما بأنه "الرئيس القادم من تحت كراسي المنصة" بسبب أنه نزل ليختبيء تحت الكراسي عندما بدأ تنفيذ الهجوم على المنصة بهدف إغتيال السادات خلال الاحتفالات عام 1981م بنصر السادس من أكتوبر .... وفي أقصى يمين الصورة يظهر الملازم خالد الإسلامبولي خلال توجيهه لرصاص مدفعه الرشاش نحو كراسي المنصة بهدف تغطية هروب زملائه بعد تنفيذ خطة إغتيال السادات


وهكذا .. وفي أول إستفتاء على شخصه (وليس إنتخابات) جرى في 13 أكتوبر 1981م حصل حسني مبارك على نسبة ألـ 98% المعهودة . وأصبح رئيسا للجمهورية . وبمجيئه بدأ لأول مرة عهد ما يطلق عليه بالرئيس رجل الدولة الذي لا يقيم للعواطف وزنا ولا لهتافات الجماهير قيمة تذكر عند إتخاذه لقراراته أو تحديده لسياساته الداخلية والخارجية . وتبعا لذلك فقد لوحظ إعتماد حسني مبارك على التكنوقراط وأساتذة الجامعات وحدهم في إدارة شئون الدولة والحكم بعيدا عن أهل السياسة والحل والعقد  الملتصقين بالجماهير . وهو الأمر الذي خلق بينه وبين شعبه هوة واسعة ظلت تتسع يوما بعد يوم حتى بدأ الأمر في نهاية المطاف وكأنـّه غريب عن شعب مصر وكأنّ شعب مصر غريب عنه.


من بين تلك اللقاءات الشعبية المباشرة النادرة مع شعبه يظهر حسني مبارك هنا وهو يهنيء نفسه بإعادة إنتخابه رئيسا للمرة الثانية في عام 1987م . ومن خلال الحزب الوطني الديمقراطي الذي أسسه الرئيس الراحل أنور السادات فقد إستفاد حسني مبارك وتمكن من فرض نفسه على البنى الهيكلية للدولة وإستطاع العودة إلى كرسي الحكم 4 مرات متتالية دون منافسة تذكر أعوام 1987م و 1993م و 1999م و 2005م

عدا إعتماده وإكتفائه بمجموعة التكنوقراط من أساتذة الجامعات لتسيير دولاب الدولة فلم يأتي حسني مبارك بجديد في مجال السياسة الخارجية. وظل محافظا على خط سلفه أنور السادات خاصة فيما يتعلق بتثبيت أركان السلام مع إسرائيل . وهو في هذه الصورة يشارك في الاحتفال بمناسبة توقيع ما عرف بمعاهدة كامب ديفيد الثانية بين المقاومة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية برئاسة إسحاق رابين. لكن وصول حركة حماس إلى السلطة قلب كثيرا من الموازين في المنطقة وجعله يتخبط في ردود أفعاله تجاه القضية الفلسطينية وبدا وكأنه العدو اللدود لأهل غزة أكثر من الإسرائيليين أنفسهم. وظل متمسكا بضرورة تطبيق خطة مدير مخابراته ونائبه فيما بعد "عمر سليمان" بضرورة تجويع أهل غزة حتى يسهل إسقاط حماس لمصلحة إستسلام فلسطيني لإسرائيل يفرض سلام غير عادل .

بن علي دوّت حبيبي وتؤام روحي اللّي رحت معاه في طوكر

وعلى الرغم من عدم تمتع حسني مبارك طوال فترة حكمه بأية كاريزما شعبية وحيث لا يمكن أن يوصف بأنه كان زعيما محبوبا لدى شعبه . إلا أنه إستطاع البقاء في كرسي الحكم لمدة 30 سنة متواصلة إعتمد فيها بشكل كبير على الأمن وبلطجية الحزب الوطني في بث الذعر والخوف والتعامل بقبضة حديدية عسكرية لا ترحم مع التنظيمات الجهادية والإرهابية التي خرجت من تحت عباءة الأخوان المسلمين طوال الفترة من عام 1948م وحتى تاريخه ..... ولكن برغم ذلك فقد ساهم ذلك في نقل الإرهاب من مصر إلى أوروبا والولايات المتحدة وآسيا ..... وكان أن إستشعر الغرب والولايات المتحدة بعد أحداث سبتمبر أن خطر الإرهاب الذي تم تصديره إليهم من الشرق الأوسط إنما هو إفراز طبيعي لسيادة الديكتاتورية والشمولية في الدول العربية والإسلامية . فكان القرار الإستراتيجي الذي إتخذه الغرب يتمحور في ضرورة فرض الإصلاحات الديمقراطية في كافة الدول العربية والإسلامية ...... وهو ما يجري تنفيذه الآن بكل وضوح.


في أواخر عهده بات أمر توريث منصبه إلى إبنه جمال هو الشغل الشاغل له ولجمهرة المنتفعين في حزبه مما زاد من حنق معارضيه ووحد كلمتهم ضده 



وفي الداخل المصري كان أكثر ما عانى منه عامة الشعب يتمثل في زيادة معدلات الفقر وتدني الرواتب وإزدياد معدلات البطالة وتفشي الفساد المالي والإداري والمحسوبية على نحو تآكلت فيه الطبقة الوسطى ولم يعد في مصر سوى طبقتين إحداهما فاحشة الثراء من بين أتباع الحزب الوطني الديمقراطي وتجاره ورجال أعماله ووسطائه وحتى سماسرته وراقصاته وغانياته وبلطجيته . كما جرى إطلاق يد أمن الدولة في التعذيب جهارا نهارا ولأدنى سبب . وتركهم يفرضون فيها الأتاوات على صغار التجار ورجال الأعمل وحتى سائقي التاكسي والميكروباس والباعة المتجولين وأصحاب فرشات وبسطات الفاكهة الموسمية والخضروات .... عادت مصر خلال عهده إلأى عصر المماليك وأصبحت غابة يأكل فيها القوي الضعيف ويملي الأعلى على الأسفل ما يشاء وكيف يشاء .. وفي الوقت الذي ظن فيه الجميع أن الأمر سيظل على ما هو عليه وأن توريث حسني مبارك الحكم لإبنه جمال آتٍ لا محالة إذا بالشباب المنسي داخل غرف ومقاهي الإنترنت يخرج كالعواصف الصحراوية ليقتلع في طريقه كافة التماثيل الحجرية والكرتونية والورقية على حد سواء وسط دهشة آبائهم وأمهاتهم وأعمامهم وأخوالهم بل وكبار أشقائهم من المصريين أنفسهم قبل العالم أجمع.


تشبيهه بهتلر تارة وبفرعون تارة أخرى ...... هكذا كان رأي الذين أسماهم إعلامه الرسمي المضلل أبناؤه في نهاية المطاف حين أتيح لهم أن يعبروا بصدق عن رايهم فيه 

 

على العكس مِنْ ؛ وتجاوزا لمحدودية الثورة الطلابية في فرنسا في مطالبها ونتائجها الهزيلة أبان فترة الستينات من القرن العشرين . فإن الثورة الشبابية في مصر التي تفجرت يوم 25/1/2011م كانت هي الأولى من نوعها في تاريخ العالم القديم والحديث التي تفلح  ودون أدنى شك في خلع نظام سياسي بأكمله تجذر وتكرس في أعماق تفاصيل الحياة اليومية لشعب بلغ عدد سكانه 88 مليون نسمة تقريبا ..... وسيظل المجال مفتوحا لأكثر من عقد لتحليل هذه الظاهرة التي لا نراها غريبة على هذا الشعب الذي يتميز عن غيره من شعوب العالم أنه يظل نكهة خاصة ومزيج رائع لأرقى الشعوب والحضارات والديانات السماوية والحضارة الإنسانية على مر العصور رفدته ووفدت إليه من الجنوب والشرق والغرب والشمال منذ أكثر من 7000 عام.
حمى الله مصر وشعبها وأدامها لنا قلبا نابضا للعروبة والإسلام على مر العصور القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق