الثلاثاء، 8 فبراير 2011

خالد سعيد .. ملهم الثورة المصرية

خالد سعيد .. مُلْهـِمَ الثورة المصرية

الشهيد خالد سعيد ( 1982 - 2010م)
هل هذه طلعة ملاك أم ملامح مدمن ومروج مخدرات؟

مُـلهم ثورة الشباب المصري التي إنطلقت شرارتها يوم 25 يناير 2011م .. الشهيد خالد سعيد ... هو شاب مصري إسكندراني طيب خلوق بسيط من مواليد 27 يناير 1982م ... هو واحد من أولئك الشباب المصري الأصيل "إبن الناس" المتربيين الشرفاء الكرماء الذين يعبرون عن وجه وأخلاق مصر الحقيقية... من أولئك الذين تصادف أغلبهم في داخل الأحياء المصرية أو في بلادك أو بلاد الآخرين . يحدثونك بكل براءة وعفوية عن أنفسهم وطموحاتهم وأفراحهم ونجاحاتهم وإحباطاتهم ومآسيهم وعن حبهم لوطنهم مصر والأهلي والزمالك ؛ كأنك تعرفهم ويعرفونك منذ سنوات دون أن ينسوا قبل وداعك عرض مساعدتهم لك إذا كنت في حاجة لخدمتهم أو حمايتهم ونجدتهم ومروءتهم خاصة عندما تكون قاطنا لسبب أو لآخر فترة قد تطول أو تقصر بين ظهرانيهم في بلدهم. يقسمون لك خلال كل ذلك بالله العظيم والمصحف الشريف ودين النبي العربي (صلى الله عليه وسلم).

بتاريخ 6 يونيو 2010م وخلال تواجده مع غيره من الشباب داخل مقهى إنترنت في منطقة كليوباترا بمدينة الأسكندرية ، دخل عليهم عنصران من مخبري شرطة قسم "سيدي جابر" وطلبوا من الجميع الوقوف وإبراز بطاقاتهم. وشرعوا في تفتيشهم ذاتيا بطريقة إستفزازية يتقنها مخبروا أقسام الشرطة ويستخدمونها عندما يكون لديهم أهدافا خفية .... وكان أن أفلح إستفزازهم في إثارة غضب الشاب "خالد سعيد". فأبدى إعتراضه على الطريقة التي يفتشونه بها دون أن يدري أنه هو المقصود بذاته من كل ذلك . وأن تفتيش الآخرين من أصدقائه ومرتادي المقهى لم يكن سوى ذريعة ومقدمة سينمائية لفيلم هندي طويل هابط بغية الوصول إليه .....

بدأ المخبران في ضرب خالد سعيد على رأسه ثم كتفوا يديه وراء ظهره ودفعوه خارج مقهى الإنترنت قبل أن يخبطوا رأسه على قاعدة رخامية سبق وأن ثبتها صاحب المقهى عند المدخل والمخرج على سبيل الزينة ؛ مما أدى إلى فقدان خالد سعيد للوعي الأمر الذي سهل عليهم سحله إلى خارج المقهى وتبادلوا ركله بأحذيتهم الثقيلة في أماكن حساسة وأخرى مميتة تحت سمع وبصر أصدقائه ورواد المقهى ومن كان قد تصادف وجوده أو مروره بالقرب من المحل. ثم ألقوا به داخل عربة شرطة (بوكس) كانت تنتظرهم بالخارج ذهبت به إلى قسم شرطة سيدي جابر وهو بين الحياة والموت من جراء الضرب . بل قيل أنه فارق الحياة داخل عربة (البوكس) دورية الشرطة قبل أن يصلوا به إلى القسم.
وليبرر المخبران فعلتهم فقد أدخلوه مسحولا إلى القسم ، ثم عمدوا إلى حشو فمه بالمخدرات وعادوا بجثته مرة أخرى . فألقوا بها على قارعة الطريق أمام مقهى الإنترنت الذي أخذوه منه وإتصلوا بالإسعاف الذي جاء وحمله إلى المستشفى حيث سارع طبيب التشريح إلى إصدار تقريره بأن سبب الوفاة كانت إبتلاع جرعة زائدة من المخدرات.

الشهيد خالد سعيد في المشرحة وقد ظهرت على رأسه ووجهه آثار التعذيب

وفي جانب قسم الشرطة فقد كان التقرير الرسمي الذي تم فبركته جاهزا كالعادة . وقد أشار إلى أن القتيل خالد سعيد مدمن وموزع مخدرات وصاحب سوابق معروف. وأنه خلال تفتيشه داخل مقهى الإنترنت قاوم الشرطة وسارع إلى إبتلاع كمية كبيرة من مخدرات كانت في حوزته تفاديا لضبطه متلبسا.
سارعت أسرة خالد سعيد إلى تقديم بلاغ جنائي عن حالة وفاة إبنهم . فأمرت النيابة بإعادة تشريح الجثة الذي أثبت أن شرايين ودماغ ومعدة وأمعاء القتيل لم تكن تحتوي على آثار مخدرات . وأن المخدرات قد تم حشوها في تجويف فمه بالقوة بعد وفاته وظلت داخل تجويف الفم. وبالتالي فلا مجال للزعم بأنه إبتلعها . كما لا توجد أدلة على أن القتيل كان مدمنا لتعاطي المخدرات.
يقول أصدقاء القتيل ومعارفه وجيرانه من أهل الحي الذي يقطن فيه مع أسرته أنه لا مجال لإتهام خالد بأنه يتعاطى المخدرات ناهيك عن ترويجها . وأن خالد سعيد كان "إبن ناس" وشاب خلوق طيب مسالم ولم يكن قد تشاجر طوال حياته مع غيره من سكان الحي الذي ولد ونشأ وترعرع فيه .

الأم الثكلى والدة "شهيد الإنترنت" أو "شهيد التعذيب" وفق ما يحلو للبعض تسميته ... تقول هذه الأم الثكلى وقد أظلمت الدنيا في وجهها أن السبب الحقيقي لمقتل إبنها هو أنه حصل على أسطوانة دي في دي تظهر ضابطا في قسم مكافحة المخدرات بقسم شرطة سيدي جابر وهو يتقاسم مع مجموعته ضبطية مخدرات تم مصادرتها من التجار . وأنه أطلعها على هذا الفيديو وأخبرها أنه ينوي نشره على موقع اليو تيوب لفضحهم . وأنها رجته وتوسلت إليه وطلبت منه أن لا يفعل ذلك وأن يمشي "تحت الحيط" ، لأنها كانت تدرك أنهم لن يتركوه لحال سبيله إذا فعل ذلك. .....
ولكن يبدو أن روح وبراءة وإندفاع الشباب والدماء الحارة التي كانت تجري في عروق خالد سعيد قد دفعته إلى مواصلة عرض الدي في دي على أصدقائه ومعارفه ومرتادي مقهى الإنترنت الذين شجعوه على نشره. والذين لم يكن يخلوا منهم في ذات الوقت بعض المتعاونين وعيون الشرطة والأمن الذين بلغوا عنه لاحقا عندما شرعت وحدة مكافحة المخدرات في تقصي الشخص أو الجهة المسئولة عن نشر هذا الدي في دي على موقع اليوتيوب.
جنازة الشهيد خالد سعيد

ظل الأمر في البداية محصورا بين دفاتر النيابة والحي الذي تقطن به أسرة خالد سعيد وأصدقائه ومعارفه .... ولكن بعد حصول البعض على صورة جثة خالد سعيد خلال تواجدها في المشرحة ونشرها على مواقع الإنترنت . وتداول الحديث عنها في الفيس بوك ، بدأت مشاعر الغضب تجتاح الشباب من الأسكندرية شمالا حتى السد العالي جنوبا . وأدرك الجميع أن كل واحد منهم كان يمكن أن يكون مكان خالد سعيد أو سيتعرض لما حدث له مستقبلا جراء الفساد الذي إستشرى على يد عصابات وبلطجية الحزب الوطني الحاكم ، دون أن يأبه بكرامة المواطن أفرادا كانوا أو مجاميع .....

 
" بكـّـار أبودومة " كبير بلطجية الحزب الوطني الحاكم الميدانيين يقوم بتوجيه أفراد فرقته من بلطجية الحزب خلال الهجوم على المعتصمين في ميدان التحرير .... إذا كان هذا هو الحال في الهواء الطلق والعلن أمام عدسات وكاميرات التلفزيون العالمية. فماذا ترى يكون حال ومستوى البطش والتنكيل والتعذيب في الغرف المغلقة داخل المعتقلات والسجون؟

تضافرت إذن عوامل أخرى جوهرية متعددة منها على سبيل المثال زيادة نسبة العطالة بين الشباب وإطلاق يد 2 مليون عنصر من الأمن والشرطة ، من بينهم ربع مليون من البلطجية للتحكم بالشارع المصري وبث الخوف والذعر وتكميم الأفواه وضمان الفوز في أية إنتخابات ، مع تغييب شبه كامل لدور القضاء في ظل قانون الطواريء ، وتزايد إنبعاث أبخرة وروائح وحكايات فساد عصابات ومافيا الحزب الوطني  وأمثلته التي تصم الآذان وتزكم الأنوف . وغياب معظم الخدمات التي بكفلها الدستور للمواطن العادي الذي بات مطحونا بين محدودية الراتب وإنعدام الخدمات وارتفاع تكلفة المعيشة . فكان خالد سعيد هو الشرارة التي أوقدت مشعل الثورة وجعلت مرجلها يغلي ، ولا مجال الآن بأي حال من الأحوال للعودة إلى الوراء أمام كل من خرج ليعبر عن رأيه بصراحة ويعتصم في ميدان التحرير وشوارع الأسكندرية مطالبا برحيل النظام السياسي الممثل في الحزب الوطني ...

 
قطعت كل الجسور وأحرقت كل السفن . ومغادرة المعتصمين من شباب وقوى وطنية إلى منازلهم (تحت وقع الوعود والتعهدات الرسمية المعسولة) معناه ببساطة السماح لاحقا بأن يتخطفهم الطير وإطلاق يد الأمن وزوار الفجر لإلتقاطهم فردا فردا كالدجاج والزج بهم في غياهب السجون وإذاقتهم المرار والعلقم ولهيب سياط الجلاد وزبانية العذاب ليل نهار من كل صنف ولون حتى لو وصل عددهم إلى أكثر من مليون ..... ومن لم يمت منهم بالسيوف والرصاص وقنابل المولوتوف في ميدان التحرير سيموت صبراً ومرضاً في عنابر أبو زعبل واللمان وسجون الصحاري وبلدغات العقارب السوداء والثعابين الصفراء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق