السبت، 7 يوليو 2012

ذكاء المعارضة وغباء الحكومة

ذكاء المعارضة وغباء الحكومة 
 
مقدمة برنامج Stream الحواري في قناة الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية حاولت إستضافة معارضين وموالين للحكومة السودانية الحالية لتسليط الضوء على ما يجري في السودان من إحتجاجات وتظاهرات ومطالبات معيشية وسياسية ...
أفلحت مقدمة البرنامج في إستحضار معارضين ؛ لكنها فشلت فشلا ذريعا في الحصول على مسئولين حكوميين أو موالين للحكومة لإستكمال دائرة الحوار في البرنامج بين المعارضة والحكومة .
فما كان من المذيعة التي فاض بها الكيل إلا أن خرجت عن دبلوماسيتها ولباقتها. فقالت بصريح العبارة :- "لقد حاولنا إستضافة مسئولين سابقين في الحكومة السودانية أو مسئولين حاليين. ولكننا لم نفلح حيث رفض البعض إبتداء ؛ وأغلق البعض هواتفهم النقالة بعد أن وعدونا بالمشاركة . في حين رفض مسئول حكومي سابق المشاركة في البرنامج مالم يحصل على أتعاب مالية نظير مشاركته"
شاهد المذيعة وأسمع مقالها المشار إليه على الرابط التالي:-
دائما ما يثور الحديث في طيات مجريات الربيع العربي عن "غباء الجكومة" و "ذكاء" أو "نشاط" المعارضة.
واقع الحال أن الحكومات أثبتت بالفعل أنها أغبى مما كان العقل يتصور ، في خوضها للحرب الإعلامية التي صاحبت الربيع العربي.
ثم ودليل سذاجة وتحنيط معظم المسئولين في الحكومات (ذات الطابع النصف إلهي) ؛ أنهم ظنوا أن مجرد فتح حساب تواصل إجتماعي على الفيس بوك و تويتر سيكون كافيا لمواكبة المرحلة والسيطرة على الموقف. دون أن يلتفت هؤلاء إلى أن المسألة ليست في فتح حساب ، بقدر ماهي محتويات هذا الحساب ورصيده من الشفافية والمعاصرة والإحساس بنبض الشارع الجقيقي . ومايجول في رؤوس الشباب من أفكار وقناعات مستجدة ومايعانيه هؤلاء من مشاكل وعقبات تسد أمامهم الأفق وتحول بينهم وبين تحقيق آمالهم وطموحاتهم.
والأدهى وأمر أن لا أحد من خارج الهيكل العظمي للحكومة يرغب في الدفاع عن الحكومة إلا إذا حصل على "المعلوم" مقدما ؛ أو وعد حقيقي بالحصول على "ثمن" دفاعه عنها.
وفي واقع الأمر أن الذين يهاجمون الحكومة في صفوف المعارضة إنما يحصلون على أموال وهبات من جهات وأحزاب وتنظيمات المعارضة . لكن عادة لايتوقع الناس عامة أن هؤلاء الذين يهاجمون الحكومة ويقفون في صفوف المعارضة إنما يتم تمويلهم وتشجيعهم بهبات وأموال هم الآخرون.
وفي المقابل يظل الذين يدافعون وينافحون عن الحكومة إما موظفين ومسئولين يتقاضون رواتب وإمتيازات رسمية تفرض عليهم الدفاع عن الحكومة بوصفها صاحب العمل الذين يقوم بتشغيلهم . أو أن يكونوا عملاء للحكومة يتقاضون أتعابهم شهريا أو بالقطعة.
المصيبة أن الناس قد أدركت اليوم أنها إن دافعت ونافحت عن الحكومة مجانا ؛ فلن يصدق أحد أنها لاتقبض أموالا من الحكومة. ولأجل ذلك زهد هؤلاء في الدفاع عن الحكومة وإن كانوا مؤيدين لها في قرارة أنفسهم . ففقدت الحكومة بذلك دعمهم دون أن تدري.
من جهة أخرى أصبح الجميع على إحساس صادق بأن الكل يسترزق من الآخر . وأن أجهزة الإعلام من صحف وفضائيات تحصل على الكثير من الأموال ومداخيل الإعلانات والرشاوي والهبات الحكومية لتبييض وجهها . ولأجل ذلك أصبح معظم أهل الفكر والرأي وذوي الإطلاع يحجمون عن مجانية الإدلاء بآرائهم عبر الفضائيات والإذاعات والصحف دون الحصول على مقابل نقدي من هذه الفضائيات.
أكثر المستفيدين من هذه الحالة هم قنوات فضائية وإذاعات شبه حرة مثل البي بي سي التي إكتشفت هذا الواقع الجديد فلجأت إلى إبتكار برامج حوارية تستضيف في الحيز الأكبر من مساحتها الزمنية أصحاب راي من عامة الناس الغير معروفين الذين لايطالبون بمقابل نقدي بالطبع بقدر مايفرحون لأنه سمح لهم بالحديث من خلال الراديو أو الظهور من خلال قنوات التلفزة ..
مشكلة الفضائيات العربية أنها لا تستطيع مسايرة البي بي سي وغيرها من إذاعات وفضائيات حرة أو شبه حرة . وذلك خشية أن ينفلت العيار فيتحدث هؤلاء العامة المجانيين بصراحة تحرج الفضائيات وتمس قدسية أنصاف الآلهة من الحكام والرؤساء والوزراء وحتى العسس والسعاة في الحكومات العربية.
وحتى هذه اللحظة ستظل اليد الطولى في مجال الإعلام الحر من فضائيات ومدونات ومنتديات وقنوات تواصل حكرا على المعارضة .. وبالتالي يكون الإحساس والشعور دائما بذكاء المعارضة وغباء الحكومة على النحو الذي نراه بين أيدينا وأسماعنا وأبصارنا ...
هكذا هي إذن سنة الحياة في التغيير الحتمي . ولادائم إلا الله وتباً لكل صناع أنصاف الآلهة .. ولكل غبي صدق أنه نصف إله.
.... وإن كانت هناك من نصيحة لكل صاحب قلم فهي أن لاتدافع يا أخي عن الحكومة مجانا أبدا . .... ولاتشارك مجاناً في برنامج حواري فضائي لمصلحة الحكومة ابداً .... كن ذكياً ولا تكن غبياً ؛ لأنك وفي كافة وجميع الأحوال سيتهمك عامة الناس . ثم رئيس الحكومة والقائم على بيت مال الحكومة والقاصي والداني من أهل الحكومة أنفسهم بأنك تقبض مقابلاً نقدياً سخياً من الحكومة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق